مظـاهـر التّجـديد في الشعـر المهــــــــجري
التجديد: هو كلّ جهد يعمل على الإضافة إلى ما هو حاضر موجود بين النّاس ، إمّا لتغيير صورته و إكسابه صفة الامتداد و الدّيمومة مسايرة للواقع و تعبيرا عنه.
الشّعر المهجري:هو مجموعة الأشعار التي أنتجها شعراء عرب هجروا البلاد العربية إلى الأمريكيتين (الشّمالية و الجنوبية) لأسباب سياسية و اقتصادية و دينية .
نشاطهم الأدبي: خرج المهاجرون فاتّجه بعضهم إلى الولايات المتّحدة الأمريكي’ في الشّمال و ذهب الآخرون إلى البرازيل في الجنوب . و كان من بين المهاجرين جماعة من الأدباء تركّز نشاطهم في جمعيّتين هما:
1- الرّابطة القلميّة: تأسّست عام 1920 في مدينة (نيويورك) برئاسة جبران خليل جبران ، و من أبرز أعضائها ميخائيل نعيمة ـ نسيب عريضة ـ إيليا أبو ماضي ـ عبد المسيح حداد ـ رشيد أيّوب.
2- العصبة الأندلسيّة: تأسّيت عام 1933 بالمهجر الجنوبي في (ساو باولو) البرازيل و ضمّت شعراء منهم الشّاعر القروي ـ إلياس فرحات ـ رياض معلوف
دواعي التّجديد:
1- الثورة على الوقوفيين(المقلّدين)
2- الحنين إلى الأوطان.
3- تأثير الآداب الغربية .
4- الإيمان بالقومية العربية و الدّعوة لها.
5- الإيمان بحرية الفكر و القول و العمل باعتبارها مصدر الإبداع.
6- النّزعة الفلسفية .
7- النّزعة الإنسانية و تخطّي النّظرة الضّيقة.
مظاهر التّجديد في الشّعر المهجري: ظهرت في الأدب المهجري نزعات جديدة تميّز أدبهم و تعبّر عن واقعهم .فقد حمل الأدباء المهاجرون من بلادهم تراثا عريقا من حضارتهم العربية و احتكوا بحضارة الغرب الحديثة و تنازعتهم عوامل متعدّدة من حبّ لأوطانهم و أمل في تقدّمها و سخط على واقعها السيئ الفاسد. و بين هذا اليأس و الأمل و الحبّ و البغض صراع عنيف اعتمل في نفوسهم و انعكس على أدبهم و هم الذين قرأوا آراء الفلاسفة فتأثّروا بها .
و يمكن أن نميّز في نزعتهم الأدبية المظاهر الآتية:
1- الثورة على القديم و محاولة التّجديد في الفنون الأدبية. يعبّر عن هذه النّزعة أبو ماضي في قوله:
لست منّي إن حسبـــت الشّعر ألفاظا و وزنا
خالفت دربك دربي و انقضى ما كان منّــا
2-الحنين إلى الوطن: يقول إلياس فرحات:
نازح أقعده وجــد سقيم في الحشا بين خمود و اتّقاد
كلّما افترّّ له البدر الوسيم عضّـه الحزن بأنياب حداد
يذكر العهد القديــــــــــــم ... فينــادي
أين جنّات النّعيــــــــــــم ... من بلادي
و يقول أبو ماضي: أيّها السّائـل عنــّي من أنـا؟ أنـا كالشّمس إلى الشّرق انتسابي
أنا في نيو يورك بالجسم و بالرّّو ح في الشّرق على تلك الهضاب
3- الإيمان بالقوميّة العربيّة و الدّعوة إليها: يقول أبو ماضي في مصر و المصريين:
الشّرق تاج و مصر منه درّتـه و الشّرق جيش و مصر حامل العلم
أحنى على الحرّ من أمّّ على ولد فالحرّ في مصر كالورقاء في الحرم
و يعلن إلياس فرحات عن نزعته العربية فيقول:
إنّّا و إن تكن الشـآم ديارنا فقلوبنا للعرب بالإجمال
4-الإيمان بالحرية: يقول إلياس فرحات:
وطني العزيز متى تسير إلى العلا حرّا بظلّّ خوافق الأعلام
فلكلّ شعـب عاثـر أمــــنيّة تحقيقها دين على الأيـام
5 النّزعة الإنسانية: بعدم الوقوف عند النّظرة الضّيقة الطائفية و التّعصّبية البغيضة.يقول جبران خليل جبران معبّرا عنها: ( أحبّك يا أخي ساجدا في جامعك و راكعا في هيكلك و مصلّيا في كنيستك ، فأنت و أنا أبناء دين واحد هو الرّوح)
6ـ النّزعة الفلسفيّة: محالولة الكشف عن أسرار الكون و الحياة. فقد حاول شعراء المهجر الارتفاع إلى العالم المثالي الذي تخيّله الفلاسفة و الشّعراء عالم الحبّ و الخير و العدل و السلام و الجمال. يقول جبران خليل جبران:
يا بـلادا حجــبت منذ الأزل كيف نرجوك و من أين السّبيل
أيّ قـفر دونها أيّّ جــبـل سورها العالي و من منّا الدّليل
أسـراب أنـت أم أنـت الأمل في نفوس تتمنّى المستحيــل
أ منام يتهـادى في القـــلوب فإذا ما استيقظت ولّى المنـام
أم عيون طفن في شمس الغروب قبل أن يغرقن في بحر الظلامّ
و من النّزعة التّأمّليّة في الكون أن يقف الشّاعر أمام الطّبيعة فيحاكيها و يمتزج معها و يستوحي منها عوالم متحرّكة تحسّ و تتكلّم . يقول ميخائيل نعيمة:
يا نهر هل نضبت مياهــــك فانقطعت عن الخرير
أم قد هرمت و خار عز مك فانثنيت عن المسير
بالأمس كنت إذا سمـعــــت تنهّـدي و توجّعـي
تبكي و ها أبكي أنــا وحدي و لا تبـكي معي
خصائص أدب المهجريّين:
1- التّجديد في الموضوعات (حرقة الهجرة، فرط الحنين، الأحاسيس الإنسانية...).
2- الصّدق في التّعبير الذي عماده الصّدق في التّجربة بعيدا عن الوهم و التّكلّف.
3- الميل إلى الرّمز أحيانا بالقدر الذي يعين على نقل التّجربة بعمق و وضوح و دلالة .
4- الاهتمام بالمعنى عمقا و وضوحا و استبفاء.
5- التّنويع في الأوزان و القوافي.
6- التّساهل في اللّغة و التّصرّف في قواعدها.
7- ظاهرة التّشخيص و اللّجوء إلى الطّبيعة .
8- الوحدة العضويّة المبنية على الوحدة الموضوعيّة و تجانس المعنى .
9- الطّابع الإنساني لتجربتهم الأديبة .
تأثيرهم في الأدب العربي:
ظهر تأثير المهجريّين في الأدب العربي في قوالبه و أغراضه و أشكاله:
ـ ففي مجال الشّعر لم يقتصروا على الشّعر الغنائي ،بل حاول بعضهم كتابة شعر ملحميّّ كما فعل ( فوزي معلوف) في ملحمته( بساط الرّيح)و من حيث الشّكل جددوا في الأوزان و القوافي و تحرّروا من قيودها .
ـ في مجال النّثر سبقوا غيرهم إلى كتابة الأشكال الفنّية الحديثة كالمقال و القصّة و المسرحيّة و اهتموا بالمعاني و أدخلوا إلى الأدب العربي المذاهب الأدبية الحديثة .